free page hit counter
تونسسياسة

خبراء يجيبون : هل بات سيناريو حلّ البرلمان والانتخابات المبكرة شرّا لابد منه؟

خبراء يجيبون : هل بات سيناريو حلّ البرلمان والانتخابات المبكرة شرّا لابد منه؟

تكثفت مؤخرا الأصوات السياسية والأكاديمية والاعلامية، تزامنا مع المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لتشكيل حكومة جديدة تحت مسمى “الوحدة الوطنية”، المنادية بضرورة التفكير في ايجاد مخرج جذري للأزمة المستعرة لاسيما على مستوى ادارة شؤون الحكم التي تتخبط فيها تونس منذ عهد الترويكا.
وقد دعا حزب “صوت الفلاحين ” وهو ممثل صلب البرلمان الحالي، في بيان له، إلى تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة قبل موفي شهر أفريل 2017 ، باعتبار ان أزمة البلاد الحالية، هي وفق تقديره “انعكاس لنتيجة انتخابات شابتها عديد الشوائب”، مؤكدا ضرورة “العدول نهائيا عن فكرة إجراء انتخابات بلدية، قبل إعادة الانتخابات التشريعية”.
وأضاف الحزب، أن مبادرة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي المتمثلة في تشكيل حكومة وحدة وطنية “ولدت ميتة و بلا روح”، على حد وصفه، محملا رئيس الجمهورية “مسؤولية إرباك الحكومة وتعثر آدائها” والاحزاب الحاكمة مسؤولية “إفلاس الدولة “، وطالبها “بالكف عن تحميل رئيس الحكومة كل المسؤولية في ما آلت إليه أوضاع بالبلاد “.
.
خارطة طريق
اعتبر أستاذ العلوم السياسية سابقا بالجامعة التونسية نور الدين الحرشاني في تصريح لحقائق أون لاين أنّ مبادرة رئيس الجمهورية هي عبارة عن محاولة لانقاذ حزبه نداء تونس لاسيما وأنّ البلاد تستعد لولوج سنة 2017 التي ستكون صعبة على مستوى ادارة شؤون الدولة في ظلّ الالتزامات لدفع الديون الخارجية.
وأكد الحرشاني أنّ الوضع في نداء تونس لا يسمح للرئيس بمجابهة التحديات والازمات وهو ما دفعه إلى التصرف بطريقة يروم من خلالها تعويم المسؤولية وسحب البساط من تحت أقدام قوى على غرار الجبهة الشعبية واتحاد الشغل.
وشدّد على أنّ الازمة الحالية التي تمر بها البلاد من بين أسبابها النظام السياسي الذي وصفه بالهجين فهو ليس بالرئاسي ولا هو برلماني.
وبخصوص المشاكل الاقتصادية الحالية،قلّل الاستاذ الحرشاني من خطورتها مبرزا أنّ البلاد لم تبلغ وضعا كارثيا غير قابل للتدارك مثلما هو الحال في اليونان والبرتغال واسبانيا والارجنتين في وقت ليس بالبعيد  ،داعيا إلى ضرورة المرور لتطبيق اصلاحات جريئة قادرة على احتواء المسألة.
وقد بيّن الجامعي المختص في العلوم السياسية أنّ التوافق بين النداء والنهضة الذي هو محل اشادة من طرفين لا يمكن أن يرتقي إلى استراتيجية سياسية متسائلا عن جدوى اجراء انتخابات دون مساءلة الحاكم تحت مظلة الوحدة ومن خلال تعويم المسؤولية.
وانتقد ما اعتبره الوفاق الهشّ الذي جعل رئيس الحكومة الحبيب الصيد لا يقوم باتخاذ ايّة قرارات دون أن يتنقل بين رئاسة الجمهورية ومقرات الاحزاب عوضا عن البرلمان الذي هو مسؤول أمامه،متسائلا عن مشروعية سفر رئيس الحكومة إلى الخارج في مهمة وهو رأس السلطة التنفيذية نيابة عن رئيس الجمهورية.
وقال الاستاذ نور الدين الحرشاني إنّ رئاسة الجمهورية استولت على صلاحيات رئيس الحكومة نتيجة النظام الهجين الذي ورد في الدستور،داعيا إلى التفاهم حول نظام سياسي جديد يتم خلاله اختيار شكل تبسيطي بعيدا عن الغموض الذي يكتنف حاليا العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية  وبين السلطة التشريعية ونظيرتها التنفيذية أيضا.
وقد أبرز محدثنا أهمية توضيح معالم ما أسماها بالخارطة السياسية تداركا للوضع الحالي الذي هيمنت فيه رئاسة الجمهورية على الفضاء السياسي في ظلّ تناقض صارخ بين النصّ في اشارة الى الدستور والممارسة على أرض الواقع.
وتابع قائلا ان النظام السياسي الراهن لا يسهل عملية اتخاذ القرار،مؤكدا على ضرورة الا تبنى الحكومة القادمة على قاعدة اتفاقات ظرفية هشة لا تنفع البلاد من خلال تجميع أطراف عديدة متباينة الافكار والخلفيات مما قد يفضي الى جمود في العمل الحكومي.
وحول مشروعية اجراء انتخابات تشريعية مبكرة كحلّ جذري للأزمة الراهنة،قال نور الدين الحرشاني ان ذلك ممكن شريطة الاتفاق على خارطة طريق جديدة يتم خلالها تعديل النظام السياسي الحالي الذي يفرز ديمقراطيا حكومة قوية تدير شؤون البلاد وتتحمل المسؤولية كاملة في اختياراتها لا حكومة هشّة تكون مبنية على المحاصصة وتنوع المرجعيات مما يحول دون ادارة الحكم واتخاذ قرارات جريئة وموجعة لا تكون رهينة البيع والشراء والمساومات وفق تعبيره.
وشدّد على ضرورة ان يكون رئيس الحكومة من الاغلبية الحاكمة وهو الذي يختار فريق عمله بعد تنقيح الدستور وايضاح النظام السياسي،مرجحا في حال اجراء انتخابات مبكرة أن يخدم هذا الخيار ما أسماه بالمعارضة المتطرفة التي دعمت الاضرابات والاعتصامات،حسب قوله.
.
حلّ البرلمان
من جهة أخرى ، اقترح الخبير في القانون الدستوري أمين محفوظ حلّ الأزمة القائمة في تونس بواسطة حل البرلمان الحالي والدعوة إلى انتخابات جديدة بعد تعديل القانون الانتخابي لإلغاء التمثيل النسبي واعتماد مبدأ الأغلبية في طريقة انتخاب أعضاء البرلمان، وأكد من جهة أخرى أن الرئيس الباجي قائد السبسي لم يتجاوز صلاحياته بعد اقتراحه لـ”حكومة وحدة وطنية”، ولكنه اعتبر أن هذا الاقتراح لن يحل الأزمة الحالية.
وأكد في تصريح اعلامي أن الأزمة التونسية تحتاج الآن إلى حلين .”الأول هو أن يعدّل مجلس نواب الشعب القانون الانتخابي وذلك بتغيير طريقة انتخاب أعضاء البرلمان من التمثيل النسبي إلى الأغلبية في دورتين (وليس دورة واحدة)، ويمكن أن تكون إما عن الأفراد أو القائمات، والحل الثاني هو قيام رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في أجل أدناه 45 يوماً وأقصاه 90 يوماً مثلما ينص على ذلك الفصل 99 من الدستور”.
وأضاف “عندها سوف يكون هناك حزب يتمتع بالأغلبية المطلقة وسوف يدافع عن برنامج وسيكون زعيم هذا الحزب في الانتخابات هو زعيم الحكومة المقبلة، وبذلك سيعتاد التونسيون على أن هناك حزباً يحكم وآخر يعارض والناخب يفصل بينهما، فالديمقراطية لا تنجح إلا بالاستقرار، أما الديمقراطية مع النسبية فهي تعطي صورة سيئة عن الديمقراطية والانتخابات، ولذلك لم تكن تونس على موعد مع الديمقراطية والاستقرار”.
وأوضح أكثر بقوله “النظام الحالي هو نظام قسمة وتشتت وإهدار المال العمومي والتهرب من المسؤولية وخسارة الوقت على عكس النظام الذي اقترحته منذ سنوات والذي لم يقع تبنيه للأسف، فمشكلة التمثيل النسبي هي ضعف المساندة الحزبية للحكومة لأنها ائتلافية، كما أن هناك تجارب سابقة طبقت التمثيل النسبي وفشلت وهي الجمهورية الثالثة والرابعة في فرنسا وأيضاً في إيطاليا”.
واعتبر محفوظ أن اقتراح السبسي لا يشكل حلاً للأزمة القائمة في البلاد، فحكومة الوحدة الوطنية ستجمع أشخاصاً من مشارب متعددة وربما متناقضة، ولذلك هم لا يجتمعون على برنامج واحد، كما أن محاولة جمع اليمين واليسار في الحكومة يطرح تساؤلاً حول الفائدة من الانتخابات والبرامج أصلاً.
وأضاف ” الداء ليس في الأشخاص بل في طريقة اقتراع البرلمان، فالبرلمان يتضمن تشكيلات حزبية لها أغلبية نسبية وليست مطلقة، وهذا يفرض تشكيل حكومة ائتلاف بين الأحزاب (وهذا ما تم مع جميع الحكومات السابقة والحكومة الحالية)، أي حكومة محاصصة حزبية أي ليس لديها برنامج، علماً أن منصب رئيس الحكومة ليس بالهين فهو الذي يضبط السياسة العامة للدولة طبق الفصل 91 من الدستور، إذا كيف سيفعل ذلك في ظل عدم اتفاق الأحزاب المكونة لحكومته على برنامج موحد، كما أن رئيس الحكومة الحالي ليس له أي انتماء حزبي وهو لم يدافع عن برنامج في الحملة الانتخابية”.
.
موازين القوى
وحول مدى واقعية هذا المقترح،قال المؤرخ الجامعي والمحلّل السياسي عبد اللطيف الحناشي:”اعتقد ان التوازنات السياسية الحالية التي تتمثل خاصة في التنسيق ذي المنسوب العالي او “المرتفع”بين حركتي نداء تونس(شق السبسي الابن والأب)والنهضة لا تسمح بالذهاب الى انتخابات مبكرة تبعا لمصلحة الطرفين وخاصة الطرف الاول الذي يعيش ازمة متعددة الأشكال ويخشى ان حصلت انتخابات ان يفقد الكثير من مواقعه بعد ان اتهمته قواعده بـ”الخيانة”ولا اعتقد انها ستعيد الثقة في رموزه ان حصلت انتخابات مبكرة ..كما ان حركة النهضة تخشى بدورها ان يضعف “حليفها”ويتقلّص حجمه الانتخابي  بالتالي موقعه في مجلس الشعب ومن الصعب ان تجد بديلا له بالمواصفات التي تعاملا بها معا… “.
أمّا بشأن مسالة التفكير في تغيير النظام السياسي الى رئاسي معدل يكون فيه الرئيس تحت رقابة البرلمان فهو امر وارد وممكن ولكن بحدود معيّنة بما يتماشى ومصلحة “حركة النهضة “ويلبي طموح رئيس الجمهورية غير ان الامر يبدو صعبا في الظروف الحالية التي تتطلب معالجات سريعة ومكثفة للازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية  وتمرير قانون”المصالحة”سواء الشاملة او الجزئية او الدمج بين المشروعين..وبعد ذلك يمكن ان تهتم الأطراف الحزبية بمسالة التعديل،وفقا لتقدير الدكتور الحناشي.
وفي علاقة بجدوى تحوير نظام الاقتراع والقانون الانتخابي  التشريعي كحل جذري واستراتيجي لازمة الحكم التي تتخبط فيها البلاد فان ذلك”يظلّ مؤجّلا” حسب رأي محدثنا ، حيث يعتقد “أن  ذلك مرتبط بموازين القوى السياسية ووضعية الأحزاب الفاعلة في مجلس نواب الشعب مع اعتبار تماسك النهضة حزبيا و سياسيا ووضوح رؤيتها،اختلفنا او توافقنا معها،وطبيعة  “تحالفاتها”أو درجة “تنسيقها”  مع بقية الأطراف الأخرى التي تقبل او ترضى بتلك التحويرات” مضيفا بالقول:”نلاحظ وجود عدة تصريحات ومواقف متناقضة تطلق من قبل السيد رئيس الجمهورية والسيد راشد الغنوشي حول إعادة ترشيح السيد الحبيب الصيد لرئاسة الحكومة القادمة..ولا شك ان هذا يعبّر عن ارتباك في السلوك السياسي للقيادات السياسية والحزبية صاحبة القرار  كما يعبّر أيضا عن عمق الأزمة السياسية وربما مراعاة مصالح أطراف أجنبية…او  ان التلويح بعودته قد يكون احدى المناورات التي يستخدمها الطرفان ..غير ان عودة السيد الحبيب الصيد لرئاسة الحكومة تبدو صعبة بعد ان اتفق الجميع أو الأغلبية على فشل حكومته الا النهضة غير المقتنعة بذلك أو على الأقل على فشل إدارته للحكومة.”

image

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى