free page hit counter
تونسوطنية

تقارير دولية حذرت تونس من فيضانات طوفانية و350 مدينة تونسية مهددة

بقلم منير السويسي
قال وزير التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية، محمد صالح العرفاوي، (يوم الأربعاء 19 سبتمبر 2018) إن “كل المدن التونسية مهددة بالفيضانات وتستحق الحماية، لأن الطقس تغيّر”.
وأضاف (في تصريح لإذاعة “إكسبرس إف إم”) أنه من إجمالي 350 مدينة في تونس، لا يمكن للدولة حماية سوى 8 مدن سنويا من الفيضانات “وهو كل ما تسمح به الميزانية”.
وذكر أن إنجاز مشاريع لحماية منطقة “تونس الكبرى” (تضمّ ولايات تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس) من الفيضانات يتطلّب ميزانية بقيمة 1000 مليار (ملّيم)، وأنه لم يتسنّ حتى الآن سوى الشروع في إنجاز مشاريع بقيمة 200 مليون دينار لحماية “تونس الغربية” فقط.
هل يعني ذلك أنه يتعيّن على التونسيين- في ظل عجز الدولة- قبول الأمر الواقع و”التطبيع” (مستقبلا) مع الفيضانات وما تخلفه من خسائر بشرية وأضرار مادية، خاصة وأن كل الدراسات التونسية والأجنبية “تبشّر” بأن بلادنا ستشهد خلال السنوات القادمة تقلبات مناخية “قُصْوَوِيّة” ((extrêmes تتراوح بين الجفاف الحاد والفيضانات الطوفانيّة؟.
الخريف: موسم الفيضانات
تاريخيا، يعتبر الخريف (سبتمبر، أكتوبر، نوفمبر) أكثر الفصول إمطارا في تونس، ولعلّ هذا ما دفع جدودنا إلى القول في أحد الأمثال الشعبية المتوارثة “الشتاء شدّة…والربيع منام… والصيف ضيف…والخريف هو العام”.
وأغلب الفيضانات المدمرة في تاريخ تونس الحديث حصلت في فصل الخريف وآخرها فيضانات خريف 1969 التي أودت بحياة 542 شخصا ودمّرت نحو 70 ألف منزل، وشرّدت حوالي 300 ألف شخص وكبّدت الاقتصاد الوطني خسائر وصلت الى 35 مليار (مليم)، وفق مراجع تاريخية فرنسية وتونسية.
وخلال سنة 1969 بلغت كمية الامطار التي هطلت على كامل البلاد التونسية حوالي 100 مليار متر مكعب، وهي كمية غير مسبوقة منذ الشروع سنة 1855 في قياس كميات الامطار في البلاد.
ويبلغ المعدل السنوي لكمية الأمطار التي تنزل في كل البلاد التونسية 36 مليار متر مكعب، وفق وزارة الفلاحة وقد تنزل الكمية الى 11 مليار متر مكعب في السنوات “العجاف”.
عجز عن التعامل مع مياه السيلان
سنويا، يذهب نحو 10 مليارات متر مكعب من مياه الأمطار الى البحر في شكل سيلان (ruissellement) وذلك وفق دراسة أكاديمية حديثة صدرت هذا العام (وسنستعرضها في عدد لاحق).
والمنشآت التحتية المائية الحالية في تونس (السدود والبحريات الجبلية) قادرة- وفي أقصى الحالات- على استيعاب 3 مليارات متر مكعب فقط من مياه الأمطار.
وعند حصول فيضانات قوية تتحول مياه السيلان إلى سيول، تجرف كل ما يعترض طريقها (التربة والسيارات والأشجار….).
ويوجد في تونس اليوم 39 سدا، أكبرها سدّ سيدي سالم (ولاية باجة) الذي تبلغ طاقة خزنه القصوى 750 مليون متر مكعب.
وتعاني أغلب السدود (أكثر من 20 سدا) من التقادم ومن قلة الصيانة، مثل سدّ سيدي سالم الذي بني سنة 1982، وسد بني مطير (سنة 1954)، وسد بوهرتمة (سنة 1976).
كما تعاني هذه السدود من مشكل آخر لا يقل أهمية وهو كثرة كمية الوحل فيها (بعض السدود فقدت حوالي ثلث طاقة خزنها بسبب كثرة كمية الأوحال).
وقال مسؤول عن أحد السدود في تونس لـ”منتدى تونس للصحافة والمعلومات” إن “جهر” السدود غير معمول به في تونس لأن كلفتها مرتفعة جدا وقد تفوق أحيانا كلفة بناء سد جديد.
ولعل هذه الأسباب (تقادم السدود، وكثرة الوحل) هي التي تدفع السلطات الى “تنفيس” السدود خلال الفيضانات الكبيرة، مثلما حصل مؤخرا في فيضانات ولاية نابل، على الرغم مما ينطوي عليه ذلك من مخاطر.
إلى ذلك، تراجع خلال السنوات الـ 15 الأخيرة (وفق وزير التجهيز) إنجاز “البحيرات الجبلية” والتي تلعب دورا هاما في التقليص من كمية وسرعة مياه السيلان.
التوسع العمراني العشوائي
فاقم التوسع العمراني العشوائي خصوصا حول المدن الكبرى (تونس صفاقس، نابل،….) والمتمثل في البناء على أراض منخفضة سريعة التعرض للفيضانات، وفي مجاري الأودية، من مخاطر الفيضانات في البلاد التونسية من الشمال إلى الجنوب.
وقد نجم هذا التوسع بالأساس عن موجات النزوح خصوصا في العقود التي تلت سنة الاستقلال، وعن غياب (وأحيانا تواطؤ) الدولة التي تركت الحبل على الغارب إلى أن وجدت نفسها في الأخير مضطرة لمباشرة حلول ترقيعية (مشاريع حماية المدن من الفيضانات) مكلّفة جدا من الناحية المادية.
وتُلزم “مجلّة التهيئة الترابيّة والتعمير” (على الورق) بالتقيّد بـ”أمثلة التّهيئة العمرانية” التي تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الطّبيعيّة والعوامل البيئيّة في المنطقة موضوع مثال التهيئة.
إلا أن “بعض الجماعات المحليّة وبعض السّلط الجهويّة والإدارات المركزيّة بوزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية المعنية، لم تتقيّد عند إعداد هذه الأمثلة بالتنصيص على خطر الفيضانات، وبالتراتيب العمرانيّة” وفق تقرير رقابي أصدرته دائرة المحاسبات سنة 2006.
وقال التقرير: “خالفت بعض البلديات أحكام مجلّة التهيئة الترابيّة والتّعمير والتراتيب العمرانيّة حيث تمّت المصادقة على بعض التقسيمات التابعة للخواص ووقع منح المالكين رخص بناء رغم وجود القطع موضوع التقسيم في مناطق منخفضة ومهدّدة بالفيضانات”.
وأضاف “حجّر الأمر المتعلق بالمصادقة على التراتيب العامة للتعمير، في حالة عدم وجود مثال تهيئة للمنطقة، إقامة المباني بالمناطق المعرّضة لمخاطر طبيعيّة متوقّعة كالفيضانات وكذلك في المناطق والحوزات الخاضعة لارتفاقات تحجير. إلاّ أنّه تبيّن وجود مخالفات للتراتيب العامّة للتعمير قام بها متدخّلون عموميون”.
وفق التقرير “تولت وزارة التّجهيز والإسكان والتهيئة التّرابية الاستلام النهائيّ لدراسات، أنجزها مكتب دراسات، لم تأخذ بعين الاعتبار تحفّظات الوزارة. كما اتضح أن بعض الأشغال العامة ساهمت في ظهور فيضانات في مناطق لم تكن مهددة بذلك من قبل حيث تبيّن أن السّبب الرّئيسي للفيضان في هذه المناطق يعزى إلى إنجاز منشآت عموميّة دون دراسة تأثيرها على السيلان الطبيعي لمياه الأمطار ودون تقدير للمخاطر التي قد تسبّبها للمناطق المجاورة وخاصّة الأحياء السكنيّة”.
انسداد شبكات تصريف مياه الأمطار
“أمّا فيما يتعلق بتعهد وصيانة منشآت تصريف مياه الأمطار، فقد اتّضح أنّ عديد البلديات لا تقوم بتعهد الشبكات مما يؤدي إلى انسدادها ويحول بالتالي دون قيامها بوظيفتها في تسهيل سيلان مياه الأمطار”، وفق التقرير.
ويبلغ طول قنوات شبكة التطهير في تونس حوالي 16 ألف كيلومتر، أغلبها شبكات متقادمة وصغيرة وغير قادرة على استيعاب كميات الماء الكبيرة خلال الفيضانات.
وأغلب هذه القنوات مصنوع من الاسمنت. وبطول المدة تتحول الغازات الموجودة داخل هذه القنوات إلى حامض يؤدي إلى تآكل الاسمنت.
ويفوق معدل الانسداد في هذه القنوات المعدلات العالمية. إذ يبلغ 6 فاصل 5 انسدادات لكل كيلومتر في كل سنة، مقابل 1 فاصل 5 انسداد كمعدل عالمي.
—————————————————
*رئيس “منتدى تونس للصحافة والمعلومات”.
صدر بأسبوعية الشارع المغاربي في عددها الصادر يوم الثلاثاء 25 سبتمبر 2018.

image

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى