“قبّار” الكورونا.. مهنة نبيلة رغم الاجهاد البدني والنفسي… هكذا تحدّث “سيف” عن تجربة دفن ضحايا الفيروس اللعين في بلدنا

الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية


أخبار وطنية

“قبّار” الكورونا.. مهنة نبيلة رغم الاجهاد البدني والنفسي… هكذا تحدّث “سيف” عن تجربة دفن ضحايا الفيروس اللعين في بلدنا

نشر في  22 نوفمبر 2020  (16:49)

يرن هاتف سيف، على الخط رئيسه في العمل الذي يطلب منه الاستعداد لجلب جثمان من ضحايا “الكوفيد 19” من مستشفى شارنيكول، ودفنه وفق مقتضيات البرووكول الصحي ..

يهاتف بدوره سائق سيارة نقل الموتى ويطلب منه أن يستعد للانطلاق في رحلة العذابات اليومية إلى بيت الاموات، وسط الجثامين، وقد أصبحت هذه المشاهد المؤلمة قدرهم منذ مارس المنقضي مع بداية انتشار جائحة كورونا في تونس..

يجتمع الفريق في المكتب الخاص بسيف، يرتدون الازياء الواقية بسرعة فائقة ويضعون الكمامات والقفازات، ثم يمتطون السيارة نحو المستشفى ..هناك يباشرون اجراءات تسلم الجثمان بعد البحث عنها في بيت الاموات رفقة فرد من عائلة الضحية، ويحملونه بعد تعقيمه ووضعه في الكيس الواقي، ثم يعودون ادراجهم الى طريق المقبرة .. ما لا يقل عن 27 جثمانا لضحايا الكوفيد 19 ، واراها سيف، إلى حد اليوم، الثرى رفقة فريق الدفن ببلدية منوبة ..

جثمان تلو الاخر وقصة تتلوها قصة أخرى حولت مهنته من عون شرطة بيئية ، الى قبّار للكورونا، كان رواد المقهى الذي يرتاده يفزعون من حضوره، خاصة خلال الموجة الاولى من الوباء، وكان يلتجئ الى النوم في العمل خوفا على عائلته من العدوى .

سيف الذي فاق عمره الاربعين عاما، وهو أب لثلاثة اطفال ، اقترنت مهنته منذ مارس المنقضي بدفن ضحايا الكورونا، بعد ان كان مجرّد ذكر الموت امامه يرهبه، أصبح قدر سيف نقل الجثامين من بيوت الاموات بالمستشفيات الى المقابر ودفنها في سيناريو يتكرر إلى حد الارهاق والاجهاد النفسي.

عن اول عملية دفن يقول سيف:”احسست برهبة وخوف شديدين، بسملت وتعوّذت، ثم أخذت نفسا عميقا واتممت مهمتي، راودتني الكوابيس ليلا واقضت مضجعي، لكن مع تواتر الوفيات، وخاصة في الموجة الثانية، اقتنعت بنبل مهمتي وانسانيتها، شاني في ذلك شان بقية زملائي، وكنت أنا سند هؤلاء الضحايا في غياب أفراد عائلاتهم، أحرص على إكرام جثامينهم، وإقامة صلاة الجنازة عليهم ، وتلاوة القران “.

ويضيف: “باعتباري قائد فريق الدفن، أحرص على الاحاطة نفسيا باعضاء فريقي من الشباب، خاصة في الموجة الاولى التي رافقتها تاكيدات علمية بتسبب الجثة في العدوى وما رافقها من تخوف وفزع”.

يجول سيف بين مقابر ضحايا الكورونا، ويشير إلى عدد من اصحابها، وإلى الذكريات التي لا تزال عالقة بذهنه، والصور المؤلمة التي رافقت عملية الدفن.

وعن أهم المواقف التي عاشها، وأبرز الذكريات التي علقت بذهنه، يقول سيف انه لن ينسى مشهد ضحية كوفيد، توفي بمنزله، وتعفنت جثته امام انظار ابنائه وزوجته، بعد خوف الجميع من معاينته واتخاذ قرار دفنه، وقد تولى بنفسه دخول المنزل، والقيام باجراءات التعقيم، وتحميل الجثمان في الكيس، في مشهد مؤلم تسبب له في الارق مدة طويلة، حسب قوله.

واضاف انه تاثر كثيرا لمشهد امراة فارقت الحياة أمام مركز طبي على كرسي متحرك، وظلت في الشارع حوالي ساعتين على مراى ومسمع من المارة الذين لم يحترم بعضهم هذا الموقف الانساني وقاموا بالتقاط الصور ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي بلا رحمة ولا شفقة ولا احترام للذات البشرية ..

سيف لا يزال يتذكر أولى حالات الوفاة جراء “كورونا” بمدينة منوبة في افريل المنقضي، ووقعها على نفسيته وعلى نفسية زملائه، ومخاوفهم الشديدة من عدوى الفيروس، فضلا عن وضعية الدفن الماساوية التي تعكس المعنى الحقيقي لغربة الموت، ويكون فيها الضحية وحيدا في جنازته و دون حضور افراد عائلته .

يقول سيف أن أكثر ما ضايقه خلال الموجة الاولى من الكوفيد ، هو حرمانه من رؤية عائلته ووالديه المتقدمين في السن مدة شهرين ونصف، والتجائه للنوم في مكان عمله خوفا من امكانية نقله العدوى اليهم، فضلا عن نظرة أبناء حيه له والذين يتركون المقهى فور دخوله ويرفضون جلوسه معهم خوفا من نقله العدوى ..

ويشير الى انه بتواتر الوفيات، وتكرر عمليات الدفن، تعود على هذا الوضع ، وتقبل مهنته الانسانية، إذ لم يعد يشعر بالاشمئزاز من مشاهد الموت، ولم يعد يتشاءم منها، وبات قادرا على مغالبة الالم، والاستقواء على ضعف نفسيته المرهفة، رغم افتقاده الى لحظات السكينة والهدوء بعيدا عن اخبار الموت ومشاهد الجثث واخبار فيروس الكورونا القاتل الذي فرق العائلات وحرمها من واجب تشييع جثامين أحبائها.

المصدر: وات









المصدر

Exit mobile version